الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
فإن كان أحد الزوجين غير مكلف فلا لعان بينهما لأنه قول تحصل به الفرقة ولا يصح من غير مكلف, كالطلاق أو يمين فلا تصح من غير المكلف, كسائر الأيمان ولا يخلو غير المكلف من أن يكون الزوج أو الزوجة أو هما فإن كان الزوج فله حالان: أحدهما, أن يكون طفلا والثاني أن يكون بالغا زائل العقل فإن كان طفلا لم يصح منه القذف ولا يلزمه به حد لأن القلم مرفوع عنه, وقوله غير معتبر وإن أتت امرأته بولد نظرنا فإن كان لدون عشر سنين, لم يلحقه الولد ويكون منفيا عنه لأن العلم يحيط بأنه ليس منه فإن الله عز وجل لم يجر العادة بأن يولد له لدون ذلك, فينتفي عنه كما لو أتت به المرأة لدون ستة أشهر منذ تزوجها وإن كان ابن عشر فصاعدا فقال أبو بكر: لا يلحق به إلا بعد البلوغ أيضا لأن الولد لا يخلق إلا من ماء الرجل والمرأة, ولو أنزل لبلغ وقال ابن حامد: يلحق به قال القاضي: وهو ظاهر كلام أحمد وهذا مذهب الشافعي لأن الولد يلحق بالإمكان وإن خالف الظاهر ولهذا لو أتت بولد لستة أشهر من حين العقد, لحق بالزوج وإن كان خلاف الظاهر وكذلك يلحق به إذا أتت به لأربع سنين, مع ندرته وليس له نفيه في الحال حتى يتحقق بلوغه بأحد أسباب البلوغ فله نفي الولد واستلحاقه فإن قيل: فإذا ألحقتم به الولد, فقد حكمتم ببلوغه فهلا سمعتم نفيه ولعانه؟ قلنا: إلحاق الولد يكفي فيه الإمكان والبلوغ لا يثبت إلا بسبب ظاهر, ولأن إلحاق الولد به حق عليه واللعان حق له فلم يثبت مع الشك فإن قيل: فإن لم يكن بالغا انتفى عنه الولد, وإن كان بالغا انتفى عنه اللعان قلنا: إلا أنه لا يجوز أن يبتدئ اليمين مع الشك في صحتها فسقطت للشك فيها الثاني إذا كان زائل العقل لجنون, فلا حكم لقذفه لأن القلم عنه مرفوع أيضا وإن أتت امرأته بولد فنسبه لاحق به, لإمكانه ولا سبيل إلى نفيه مع زوال عقله فإذا عقل, فله نفي الولد حينئذ واستلحاقه وإن ادعى أنه كان ذاهب العقل حين قذفه وأنكرت ذلك ولأحدهما بينة بما قال, ثبت قوله وإن لم يكن لواحد منهما بينة ولم يكن له حالة علم فيها زوال عقله فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل والظاهر الصحة والسلامة وإن عرفت له حالة جنون, ولم تعرف له حالة إفاقة فالقول قوله مع يمينه وإن عرفت له حالة جنون وحالة إفاقة, ففيه وجهان: أحدهما القول قولها قال القاضي: هذا قياس قول أصحابنا في الملفوف إذا ضربه فقده ثم ادعى أنه كان ميتا, وقال الولى: كان حيا والوجه الثاني أن القول قوله لأن الأصل براءة ذمته من الحد فلا يجب بالشك, ولأن الحد يسقط بالشبهة ولا يشبه هذا الملفوف لأن الملفوف قد علم أنه كان حيا, ولم يعلم منه ضد ذلك فنظيره في مسألتنا أنه يعرف له حالة إفاقة ولا يعلم منه ضدها, وفي مسألتنا قد تقدم له حالة جنون فيجوز أن تكون قد استمرت إلى حين قذفه وأما إن كانت الزوجة غير مكلفة فقذفها الزوج نظرنا, فإن كانت طفلة لا يجامع مثلها فلا حد على قاذفها لأنه قول يتيقن كذبه فيه وبراءة عرضها منه, فلم يجب به حد كما لو قال: أهل الدنيا زناة ولكنه يعزر للسب لا للقذف ولا يحتاج في التعزير إلى مطالبة لأنه مشروع لتأديبه, وللإمام فعله إذا رأى ذلك فإن كانت يجامع مثلها كابنة تسع سنين فعليه الحد, وليس لوليها ولا لها المطالبة به حتى تبلغ فإذا بلغت فطالبت فلها الحد, وله إسقاطه باللعان وليس له لعانها قبل البلوغ لأن اللعان يراد لإسقاط الحد أو نفي الولد ولا حد عليه قبل بلوغها, ولا ولد فينفيه فإن أتت بولد حكم ببلوغها لأن الحمل أحد أسباب البلوغ ولأنه لا يكون إلا من نطفتها, فمن ضرورته إنزالها وهو من أسباب بلوغها وإن قذف امرأته المجنونة بزنا أضافه إلى حال إفاقتها أو قذفها وهي عاقلة, ثم حنث لم يكن لها المطالبة ولا لوليها قبل إفاقتها لأن هذا طريقه التشفي, فلا ينوب عنه الولي فيه كالقصاص فإذا أفاقت فلها المطالبة بالحد, وللزوج إسقاطه باللعان وإن أراد لعانها في حال جنونها ولا ولد ينفيه, لم يكن له ذلك لعدم الحاجة إليه لأنه لم يتوجه عليه حد فيسقطه ولا نسب فينفيه وإن كان هناك ولد يريد نفيه, فالذي يقتضيه المذهب أنه لا يلاعن ويلحقه الولد لأن الولد إنما ينتفي باللعان من الزوجين وهذه لا يصح منها لعان وقد نص أحمد, في الخرساء أن زوجها لا يلاعن فهذه أولى وقال الخرقي في العاقلة: لا يعرض له حتى تطالبه زوجته وهذا قول أصحاب الرأي لأنها أحد الزوجين فلم يشرع اللعان مع جنونه, كالزوج ولأن لعان الزوج وحده لا ينتفي به الولد فلا فائدة في مشروعيته وقال القاضي: له أن يلاعن لنفي الولد لأنه محتاج إلى نفيه, فشرع له طريق إلى نفيه وقال الشافعي: له أن يلاعن وظاهر مذهبه أن له لعانها مع عدم الولد لدخوله في عموم قوله تعالى: فأما الأخرس والخرساء فإن كانا غير معلومي الإشارة والكتابة, فهما كالمجنونين فيما ذكرناه لأنه لا يتصور منهما لعان ولا يعلم من الزوج قذف ولا من المرأة مطالبة وإن كانا معلومي الإشارة والكتابة, فقد قال أحمد إذا كانت المرأة خرساء لم تلاعن لأنه لا تعلم مطالبتها وحكاه ابن المنذر عن أحمد وأبي عبيد وإسحاق, وأصحاب الرأي وكذلك ينبغي أن يكون في الأخرس وذلك لأن اللعان لفظ يفتقر إلى الشهادة فلم يصح من الأخرس كالشهادة الحقيقية, ولأن الحد يدرأ بالشبهات والإشارة ليست صريحة كالنطق فلا تخلو من احتمال وتردد, فلا يجب الحد بها كما لا يجب على أجنبي بشهادته وقال القاضي وأبو الخطاب: هو كالناطق في قذفه ولعانه وهو مذهب الشافعي لأنه يصح طلاقه, فصح قذفه ولعانه كالناطق ويفارق الشهادة لأنه يمكن حصولها من غيره, فلم تدع الحاجة إلى الأخرس وفي اللعان لا يحصل إلا منه فدعت الحاجة إلى قبوله منه, كالطلاق والأول أحسن لأن موجب القذف وجوب الحد وهو يدرأ بالشبهات ومقصود اللعان الأصلي نفي النسب, وهو يثبت بالإمكان مع ظهور انتفائه فلا ينبغي أن يشرع ما ينفيه, ولا ما يوجب الحد مع الشبهة العظيمة ولذلك لم تقبل شهادته وقولهم: إن الشهادة تحصل من غيره قلنا: قد لا تحصل إلا منه لاختصاصه برؤية المشهود به أو سماعه إياه. فإن قذف الأخرس أو لاعن ثم تكلم, فأنكر القذف واللعان لم يقبل إنكاره للقذف لأنه قد تعلق به حق لغيره بحكم الظاهر فلا يقبل إنكاره له, ويقبل إنكاره للعان فيما عليه فيطالب بالحد ويلحقه النسب, ولا تعود الزوجية فإن قال: أنا ألاعن للحد ونفي النسب كان له ذلك لأنه إنما لزمه بإقراره أنه لم يلاعن فإذا أراد أن يلاعن كان له ذلك. فإن قذفها وهو ناطق, ثم خرس وأيس من نطقه فحكمه حكم الأخرس الأصلي, وإن رجى عود نطقه وزوال خرسه انتظر به ذلك, ويرجع في معرفة ذلك إلى قول عدلين من أطباء المسلمين وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وذكر بعضهم أنه يلاعن في الحالين بالإشارة لأن أمامة بنت أبي العاص أصمتت فقيل لها: لفلان كذا ولفلان كذا؟ فأشارت أن نعم, فرأوا أنها وصية وهذا لا حجة فيه لأنه لم يذكر من الراوي لذلك ولم يعلم أنه قول من قوله حجة ولا علم هل كان ذلك لخرس يرجى زواله أو لا؟ وقال أبو الخطاب في من اعتقل لسانه, وأيس من نطقه: هل يصح لعانه بالإشارة؟ على وجهين. وكل موضع لا لعان فيه فالنسب لاحق فيه ويجب بالقذف موجبه من الحد والتعزير, إلا أن يكون القاذف صبيا أو مجنونا فلا ضرب فيه, ولا لعان كذلك قال الثوري ومالك والشافعي, وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي, وابن المنذر وقال: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم. أنه لا لعان بين غير الزوجين فإذا قذف أجنبية محصنة, حد ولم يلاعن وإن لم تكن محصنة عزر ولا لعان أيضا ولا خلاف في هذا وذلك لأن الله تعالى قال:
|